أجربة مغلقة

:::::::::::::::

حذاء علاه الغبار.. طريق ترابى.. بوابة سوداء ..ترعة لون مياهها الراكدة أخضر

وقطاراً صوت نفيره يعلن وصوله الى المحطة مئات يهبطون ومئات يصعدون ولا
ينتظر الصاعدون من يهبط ولا من يهبط الصاعدون...
الكل يندفع ويدفع و ويغتاظ ويكظم

ثم يعتاد ويسكت وربما يستمتع ويفتقد حين يرحل !!

ومن صعد يصبح يهبط بنفس الطريقة بعد محطة أو اثنتين ,
لكن من يعنينا!؟

يرتدى بدلة تتناوب عليها الأصياف والأشتية ولا يتغير منها غير طول الأكمام يعبر المحطة الى عربات السرفيس ثم يتركها فى منتصف رحلتها الى الطريق الذى علا غباره حذاءه القديم يسير محازيا مياه الترعة الى البوابة السوداء يعبرها يلقى السلام على نوبة الحراسة رافعا يديه دون ان ينظرفيردون بلا اكتراث ولا يكترث لعدم اكتراثهم.. كلامه يخرج ممضوغاً من جانب فمه المطبق جيدا يفتح شفتيه الغليظتين بتثاقل فتخرج الكلمات كأنها حبات مسبحة يتفنن صاحبها فى فرطها!
أو كأنه يمسك بخناق جراب ممتلىء يخشى إن خفف قبضة أسنانه عليه أن ينسكب!

يسير قليلا الى حجرة باردة فى طابق أرضى يأن تحت وطأة أدوار البناء الخمس يجلس الى ماكينة الصرافة والخزانة الموصدة والآلة الحاسبه وهو لا يتكلم كثيرا وكثير من قليل كلامه أرقام أو ما يمت لها بصله
-هات 150
-معاك فكه ؟؟
- لسه خمسه
كأنه آلة تلغراف من لحم ودم
-الخزنه قفلت
....
زفراته لا تخطئها العين كأنه قدر على مرجل يتصاعد البخار من جوانب غطاءه
والأستاذ عفيفى يجيد غلق جراب همومه جيدا حتى أنه يلقى سلامه من جانب فمه لكن يبدوا أنه غلا ولابد من متنفس والا سينفجر..كالمعتاد يرتشف شايه بصوت عال وامتزاج يوحى بشوقه للحظة غرق أو نسيان
من وراء الشباك الحديدى المجاور له طالما اصطفت الأيدى التى يوجه اليها رسائله الرقمية

فى صبيحة هذا اليوم وقف شاب ملول وفى ضجر وبعد أن فاض به تأخر الأستاذ عفيفى فى اجراء المعامله استعد أن يعلن عن ضجره فى وجه الأستاذ عفيفى الذى تتناثر على وجهه كلمات الضجر لكنه يحجم عن ذلك ويسال سؤالاً كان المخيط الذى انغرز فى البالون الممتلى:

-مالك ياأستاذ؟!

يزداد الضغظ اللامرئى جدا حتى يبلغ حدودا لابد لها من متنفس
- أستاذ عفيفى ؟؟!!
وكانت المفاجئه أن انفتح الجراب وابتعدت الأسنان المطبقة أيما ابتعاد.. تحولت اليد التى كانت تكتب بمهل الى قبضتين يدكان خشب المنضده ..أوشك الشباك الحديدى أن ينخلع وخرجت الكلمات هادرة من الفم الذى كان موصداً لسنين الا من فتحة صغيرة
خرجت الكلمات تشتكى إلى الله أو إلى لناس أو إلى نفسها.. تشتكى زحام القطارات .. تشتكى قدم الحذاء المغبر تشتكى ضيق ذات اليد واتساع فم الحاجه تشتكى روتين اليوم الكئيب ..مرارةالشاى_ الذى تهشم ما كان يحتويه- والأيام ..برودة الحجرة.. تشتكى اليأس من بصيص أمل.. موت الأحلام واحداً تلو الآخر.. تشتكى أعين أطفاله المطالبة وزوجة التى لا تصبر ولا تريد أن تفهم ..تشتكى أسبتة الطيور فى عربات السرفيس.. تشتكى أن تكون يديه ممررة لأموال دون ان تنال منها شيئا تشتكى وتشتكى هادرة مقتحمة سكون المكان البارد.. تشتكى وتطلب قلبا رحيماً أو أذناً مصغيه
...
ثم تنطفىء جذوة الصوت بالتدريج يتساءل الحارسين فى اندهاش بصوت خفيض كأن صوت عفيفى ساعتها قد أصدر أمرا لا مرئياً لكل أصوات الكون أن تكف
- عفيفى ماله؟
لكن الصوت يخفت كأن لم يكن.. تنطبق الأسنان وتنطلق زفرات حارة عند غلق الجراب
لتعلن ان غضباً ما كان هنا
تنبسط الكفتين وتبدءان فى الدق بانزعاج على أزرار الماكينة ثم تتمهلان حتى تصلا الى الرتم المعتاد.... تتوهج الشمس بعد انتصارها على سواد الليل معلنة عن يوم جديد يدخل الأستاذ عفيفى من البوابة السوداء يلقى السلام يتأمله الحارسين لا يكترث لاكتراثهما.. ثم يجلس الى ماكينته العتيده يرتشف الشاى المر باستغراق وكأن أمسا لم يكن.... وتسير الحياه بأجربتها المغلقه

بقلم:
محمد عليوة

العبرة من هذه القصة القصيرة:
مهما واجهت من مآسى الدنيا فاحمد الله ايضاً على كل ما لديك وان كان لديك عمل وزوجة وأطفال فغيرك من يعيش وحيداً مشرداً على هذه الأرض فانظر دائما الى من هو فى مكانة أقل منك وحتى ان جاءت لحظات وتذمرت فارجع الى ربك الكريم واستغفره واشكو فقط اليه

~